القاهرة –أشرف عبد الحميد
صدر أول جنيه في مصر عام 1836، حيث طرح للتداول في الأسواق المصرية وحل محل العملة الرسمية المتداولة آنذاك وهي الذهب والفضة.
الجنيه المصري هو العملة الأقدم في المنطقة، وصدر مصحوباً بقيمة كبيرة تصل إلى ما كان يوازي وقتها ما قيمته 20 ألف جنيه في الوقت الحالي وسمي بالجنيه لأن مصر كانت تحت الاحتلال البريطاني وكانت عملة إنجلترا هي الجنيه الذي سمي فيما بعد بالجنيه الإسترليني.
تم تقسيم الجنيه إلى قروش حيث يساوي 100 قرش وتم تقسيم القرش إلى عشرة مليمات، ومفردها مليم، وفي عهد الوالي محمد سعيد باشا تم إنشاء العشرة قروش، وأطلق عليها المصريون اسم "الباريزة" نسبة إلى أنها ضربت ودمغت في باريس عاصمة فرنسا.
في 3 أبريل من العام 1899 أصدر البنك الأهلي المصري الأوراق النقدية لأول مرة وصدر الجنيه الورقي وكانت قيمته تساوي 7.4 غرام من الذهب، واستخدم هذا المعيار ما بين عام 1885 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914، حيث تم ربط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني وكان الجنيه الإسترليني يساوي 0.9 جنيه مصري.
تطورت طباعة الجنيه طوال القرن العشرين، حيث كان يطبع في الخارج وفي العام 1968 أنشأ البنك المركزي المصري دارا لطباعة النقد وبدأ في طباعة الفئات المختلفة من العملات الورقية فئة الجنيه والعشرة قروش والـ25 قرشا وغيرها في الأول من ديسمبر من عام 1968 كما قام البنك أيضا بطباعة بعض العملات العربية لصالح بنوكها المركزية.
في عهد الملك أحمد فؤاد لاحظ المصريون وجود صورة خادم يدعى إدريس على الجنيه، وعندما بحثوا عن السبب اكتشفوا أن وراء ذلك قصة مثيرة فقد كان إدريس هذا خادما في القصر وشاهد رؤيا في منامه، فذهب للأمير أحمد فؤاد وقصها عليه، وقال له إنه رأى أن الأمير أحمد فؤاد أصبح ملكا على مصر، فابتسم الأمير وقال له إنه من الصعب ذلك، لأن أخيه السلطان حسين له ولي عهد، وهو ابنه الأمير كمال الدين حسين، وهو الذي سيتولى بعده لكن الخادم أكد له أنه شاهده في الحلم يجلس على عرش مصر وفي قصر عابدين، فضحك الأمير، وقال له مازحا إنه إذا حكم مصر سيضع صوره إدريس على الجنيه.
تحقق بالفعل حلم إدريس وتنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر وتوفي السلطان والده، وفجأة وجد الأمير فؤاد نفسه سلطانا لمصر فذهب للقصر ليجد إدريس جالسا يصلي فجلس بجواره حتى أنهى صلاته، ثم قال له "لقد تحقق حلمك وأصبحت سلطانا على مصر، وستكون صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي" ونفذ الملك فؤاد الأول وعده وصدر جنيه إدريس الفلاح في 8 يوليو 1928.
كتاب فنون مصرية على العملات الورقية" للدكتور أشرف رضا يكشف التصميمات والإبداعات والابتكارات التي صاحبت عملة مصر الرسمية ويقول إن مصر ظلت بدون وحدة نقدية محددة حتى عام 1834، حينما أصدر محمد على فرمانا يقضي بإصدار عملة مصرية تقوم على نظام المعدنين الذهب والفضة يكون لكل منهما قوة إبراء غير محدودة، فكانت وحدة النقود قطعة ذهبية قيمتها 20 قرشا واسمها الريال الذهبي وقطعة من الفضة ذات 20 قرشا أيضاً تسمى الريال الفضة إلى أن صدرت أولى العملات المصرية عام 1836.
وفي عام 1898 صدر أول بنك تجاري يمارس العمليات المصرفية في مصر، وهو البنك الأهلي ومنحته الحكومة امتياز إصدار النقد لمدة 50 عاما، وفي يوم 1 يناير من العام 1899 صدر أول جنيه ورقي، وظلت النقود المتداولة في مصر من العام 1899 إلى عام 1914 متأرجحة ما بين الذهب والجنيهات الإسترلينية بالإضافة إلى أوراق النقد المصري القابل للصرف بالذهب.
في عام 1930 بدأ ولأول مرة استخدام العلامة المائية على أوراق النقد لحمايتها من التزوير وفي العام 1944 ظهرت صورة الملوك على العملات حيث ظهرت صورة لملك مصر فاروق على الجنيه بجانب بعض الصور الأثرية كجامع محمد علي، وعلى العملات الأخرى كفئة الـ25 قرشا والـ50 قرشا والخمسة قروش والعشرة قروش وضعت صورة زعماء وملوك مصر السابقين مثل الملك توت عنخ آمون الملكة نفرتيتى وبعد ثورة يوليو وضع على عملات العشرة قروش صورا لفئات الشعب مثل الجندي، والفلاح، والعامل وسيدة مصرية وشقيقتها السودانية رمزا لوحدة وادي النيل.
في عام 1960، صدر قانون إنشاء البنك المركزي المصري، حيث تولى إصدار أوراق النقد وفي 3 أكتوبر 1962 صدرت أول عملة ورقية تحمل صورة نسر الجمهورية كعلامة مائية على فئة العشرة جنيهات، وفي عام 1979 صدر الجنيه بحجم أصغر، بصورة مسجد السلطان قايتباي مع أرضية من الزخارف العربية، كما تنوعت الرسومات الخاصة بالجنيه وصدر وعليه زخارف ونقوش أثرية.
وشهد عام 1993 صدور ورقة من فئة الخمسين جنيها للمرة الأولى في تاريخ البنك المركزي، حيث طبعت بعلامة مائية لصورة توت عنخ آمون، ومع نهاية عام 1994 صدرت ورقة المئة جنيه الجديدة في تصميم يحمل صورة مسجد السلطان حسن مع خلفيات وإطار زخرفي من الفنون العربية يتوسطه رأس أبو الهول بدرجات الأحمر والأخضر، وحملت الورقتان نحو 20 عنصر تأميني.
وفي أكتوبر من العام 2003 أصدر البنك المركزي ورقة نقد جديدة من فئة العشرة جنيهات بتصميم عصري جديد بمزيد من عناصر التأمين والحماية بصورة لمسجد الرفاعي وحمل ظهر الورقة صورة الملك خفرع، وشهد عام 2007 صدور أول عملة ورقية فئة 200 جنيه بتصميم يحمل صورة مسجد قايتباي أميرا خور، وهي ابنة السلطان الناصر محمد واستخدم في الورقة لأول مرة عنصر تأميني وهو شريط هولوجرامي يعكس ألوان الطيف، وكذلك شريط مغناطيسي تتعرف عليه آلات العد بالبنك مطبوع عليه رقم 200.
وفي عام 2005 طرحت مصر الجنيه المعدني بدلا من الورقي، وتم منع التعامل بالجنيه الورقي في السوق المصري إلى أن صدر قرار من طارق عامر محافظ البنك المركزي الحالي بطبع العملة الورقية لفئة الجنية مرة أخرى.
الدكتور عبد الرحمن طه، الخبير الاقتصادي يشرح لـ"العربية.نت" مراحل تطور وقيمة الجنيه المصري، ويقول إن الجنيه المصري كانت له قيمته الكبيرة في عهد محمد علي وحتى ثورة 52 لعدة أسباب، منها أن مصر كانت دولة منتجة تقوم بتصدير أجود أنوع القطن والمواد الغذائية والحبوب لبريطانيا وكانت بريطانيا في ذلك في الوقت هي الدولة الأولى في العالم اقتصاديا وعسكريا، لذا كانت قيمة الجنيه المصري قوية بل إن بريطانيا ونتيجة لقوة العملة المصرية ربطته بعملتها، إضافة إلى ذلك ونتيجة لقيام محمد علي بإنشاء أسطول بحري وقام الخديوي إسماعيل بإنشاء قناة السويس فقد أدى ذلك لوصول الصادرات المصرية للعالم كافة وكانت مصر تصدر كل منتجاتها من خلال أسطولها وعبر قناة السويس للدول الأوروبية القوية والغنية في العالم، لذا كان الطلب على الجنيه المصري كبيرا وزات قيمته وقوته وارتبط بالذهب فزادت قيمته أكثر وأكثر، حيث كان الجنيه مستندا للاحتياطي من الذهب، فضلا عن تعاظم الصادرات المصرية مما أدى لتزايد الطلب عليه.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن خبراء الاقتصاد في العالم أكدوا أن البورصة المصرية كانت تحتل المركز الرابع في العالم وكان من أسباب الازمة المالية العالمية عام 1929 هو انهيار بورصة القطن في مصر، حيث كانت مصر لديها 3 بورصات في ذلك الوقت مؤكدا أن مصر كانت تقرض الولايات المتحدة الأميركية عقب الحرب العالمية الثانية، بل ساهمت بسداد مبالغ كبيرة في خطه مارشال للنهوض بالدول التي كانت مازالت في مرحلة التعافي من آثار الحرب العالمية.
ويقول: ما حدث بعد ذلك أن مصر استبدلت ربط الجنيه بالاحتياطي من الذهب وجعلته مرتبطا بالدولار، الذي برز بقوة كما برزت قوى اقتصادية أخرى غير بريطانيا مثل ألمانيا وأميركا وفرنسا واليابان والصين، وفي ذلك الوقت وبداية من العام 1956 وحتى العام 1973 دخلت مصر عدة حروب كبرى فتناقص احتياطيها من الذهب وقلت الصادرات وتحولت من دولة منتجة لدولة مستهلكة، فزاد الطلب على الدولار باعتباره عمله عالمية وقل الطلب على الجنيه فبدأت قيمته تقل تدريجيا إضافة إلى توقف قناة السويس عقب الحرب وتناقص الموارد فزاد الاستيراد على حساب التصنيع والإنتاج المحلي.
ويشير الدكتور عبد الرحمن طه إلى أن السادات وعقب نهاية الحرب حاول الفكاك والتخلص من تلك المشكلات فرفع الدعم عن السلع، من أجل تحرير الأسعار وتقليل الاستيراد لكنه فتح باب الانفتاح فزاد الاستيراد أكثر وأكثر وفي كل مرة يزيد الطلب على الدولار، ويزيد معه نقص الصادرات فتقل قيمة الجنيه واستمرت هذه السياسة حتى الآن، مما أدى لخفض كبير في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.
ويقول إن القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي قوية وقادرة على أن تعيد للعملة المصرية قوتها وقيمتها الحقيقية من خلال عدة ركائز أساسية هي:
أولا: قام الرئيس السيسي باتخاذ 17 قرارا جريئا باعتباره رئيس المجلس الأعلى للاستثمار وهذه القرارات من شأنها زيادة التصنيع المحلى ودعم الصادرات وتنويعها وتحويل مصر لدولة منتجة كما كانت في السابق مما يقلل الاعتماد على الاستيراد وقلة الطلب على الدولار وخفض قيمته أمام الجنيه.
ثانيا: تحرير سعر الصرف وهو ما سيقضي على السوق السوداء ويفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية وجذبها وتوفير فرص عمل حقيقية وخلق بيئة منتجة تقلل من اعتماد مصر على احتياجاتها من الخارج وتشجع السياحة وتوفر لمصر فائض كبير من العملة الصعبة.
ثالثا: إلغاء الدعم على الوقود والمحروقات وغيرها من السلع والخدمات وهذا سيخفف العبء على ميزان المدفوعات ويسهل بالتالي استخدام الناتج المحلى الذي كان يخصص أغلبه للدعم للإنفاق في قطاعات خدمية كالصحة والتعليم والبنية الأساسية وكلها في النهاية تحقق هدفين مباشرين هما الاستثمار في الإنسان المصري من خلال الصحة والتعليم باعتباره العامل الأول في تحقيق التنمية، والثاني هو توفير بنية أساسية وخلق مقومات جاذبة للاستثمار كفيلة بخلق دولة قوية تدخل مرحلة التقدم الاقتصادي.
رابعا: الدخول بمصر في عصر الطاقة وهو ما تحقق بالاكتشافات الجديدة في الغاز والبترول وكلها ستظهر آثارها اعتبارا من العام القادم والعام الذي يليه حتى تصل مصر في عام 2021 إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتدخل نادي الدول النفطية.
خامسا: كل ما تقدم يقلل من الطلب على الدولار ويزيد من الاعتماد على الجنيه فيعود لقوته ويصبح من العملات المطلوبة دوليا، وبالتالي يستطيع أن يقف أمام الدولار وسلة العملات الأخرى.